هذه الحلقة الثالثة التي سنتكلم فيها إن شاء الله على العلامات الصغرى التي ظهرت ولم تنقضِ وهي مستمرة، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعُها.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ﴿إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا﴾.
من أشراط الساعة :
رفع العلم وظهر الجهل، ألا ترون أننا انشغلنا بأمور لا فائدة فيها وهذه العلوم الجديدة التي لا أهمية لها لم ولن تنفعنا، فمصيرنا هو الموت وبعده البعث، ألا ترون أننا أصبحنا غافلون عن العلم الحقيقي الذي هو العلم بالكتاب والسنة، إذا ماذا نسمي هذا اليس هذا هو الجهل لا نعرف شريعتنا مسلمون بالكلمة فقط لكن التطبيق غير موجود، أصبح الناس يؤمنون بقال العلم ويشككون في قال الله قال الرسول، ويتبعون اليهود والنصارى في كل شيء وصدق رسول الله ﷺ حين قال: ﴿لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ﴾. قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ: ﴿فَمَنْ﴾. بل الأخطر من هذا أصبح الناس لا يعرفون لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا أي شيء حتى لا إله إلا الله لا يعلمون معناها ولا شروطها، الله المستعان.
كثرة شرب
الخمر واستحلالها، أنظروا من حولكم أصبح الخمر منتشرا حتى في بلاد المسلمين بل
أصبحت تباع وتشرب في كل الأماكن وسُمّيت بالمشروبات الروحية، كما قال رسول الله ﷺ: (ليشربُ ناسٌ مِن أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها)، والأخطر من هذا أصبح بعض الناس يقول أن شرب الخمر حلال، وكما
قال ﷺ: ﴿لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ
يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ﴾.
ونسوا قول الله تعالى : ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) ﴾.
وأريد أن أنوه أن الخمر ليس هو المشروبات فقط بل أي شيء يذهب العقل فهو خمر
كالمخدرات والسجائر والأقراص الى آخره.
انتشار الزنا، هل يوجد في بلاد المسلمين اليوم زنا، هل أخبرك أن
في بعض بلاد المسلمين الزنا يُصَرَحُ له بالأوراق الرسمية فلانة وضيفتها زانية
عاهرة باغية وبيوت الدعارة القانون يحميها بيوت خصصت للزنا، بل سيأتي يوم تصبح
الزنا في الشوارع منتشرة أمام الناس كما أخبر الصادق ﷺ ﴿والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة
فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط﴾. الله أكبر أي يزني بالمرأة أمام الناس
وأفضل الناس من يقول له اختبئ وراء الحائط وازني بها لا تزني بها أمام الناس مع
العلم أن الله يقول: ﴿وَلَا
تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
ظهور مغنيات معازف أغاني، قال رسول الله ﷺ: ﴿في هذه الأمةِ خَسْفٌ ومَسْخٌ وقَذْفٌ﴾. فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: ﴿إذا ظَهَرَتْ القِيانُ والمعازفُ وشُرِبَتْ الخمورُ﴾. القِيَانُ، جمْعُ القَيْنَةِ، وهي المرأة الَّتي تُغنِّي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: ﴿يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف﴾، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ﴿نعم إذا ظهر الخبث﴾.
ظهور الكاسات العاريات، كما جاء في صحيح مسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ﴿صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ
أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا
النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ
رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا﴾. فهنّ نساء مائلات عن طاعة الله عز
وجل، مُميلات لمن رافقهنّ عن صواب الطريق، يلبسن من اللباس ما لا يستر عوراتهنّ بل
ويكشفّ عنها، ويضعن فوق رؤوسهن ما يجعل رؤوسهن كأسنمة الإبل، وهذا يحصل في المجتمع
في الوقت الحاضر.
كثرة الظالمين الذين
يضربون الناس بالسياط، يقول النبي ﷺ: ﴿يُوشِكُ
إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ
الْبَقَرِ يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ﴾. في هذا الحَديثِ يُخبرُ النَّبيُّ ﷺ أَبا هُريرةَ رَضِي اللهُ عنهُ بأنَّه يوشكُ ويَقتربُ إنْ
طالتْ به مُدَّةُ عيشِه أن يَرى قومًا، وهُم أَعوانُ الظَّلمةِ في أَيديهمْ مِثلُ
أَذنابِ البقرِ، وهي سَوطٌ طويلٌ ولَه ريشةٌ يَضربونَ بِها النَّاسَ بغيرِ حقٍّ،
فهُمْ يُصبحونَ ويُمسونَ يُؤذونَ النَّاسَ ويُروِّعونَهم، وهذا قد حدث بل أصبح اليوم لديهم أسلحة فتاكة
ينشرون الرعب والخوف بين الناس ويعتدون عليهم.
كثرة الكذب، يقول النبي ﷺ: ﴿إنَّ بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ﴾،
فقد كثر الكذب في أزمان مَضَتْ، ولكن زاد في الزمن.
انتشار الربا، ألا ترون أن الربا
أصبحت منتشرة بين الناس، وخصوصا بعد ظهور الأبناك فأصبح الرجل لا يبالي بالمال
الذي يأخذه حلال أم حرام، يقول النبيّ ﷺ: ﴿لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ
زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ﴾، وغفل
الكثير من الناس على نصائح رسول الله ﷺ:
﴿اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَات﴾. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ
قَالَ: ﴿الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ،
وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
الْغَافِلاَت﴾.
ظهور الفتن، أي ما يقع في الناس من أمور يكرهونها من كفرٍ وقتلٍ وعصيانٍ وما شابه ذلك من الأمور، وقد حذّر النبي ﷺ أمته من الفتن العظيمة التي ستظهر فيهم، ووجّههم إلى الالتزام بجماعة المسلمين والإيمان بالله، قال ﷺ: ﴿بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا﴾.
كثرة القتل، يقول رسول الله ﷺ: ﴿لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ﴾، وقد ظهر هذا منذ مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما زال مُستمرّاً إلى يومنا هذا؛ فقد فسدت النفوس، وخفّت العقول، وانتشرت الأسلحة الفتّاكة، وكثرت الحروب، لا يدري القاتل فيمَ قَتل، ولا المقتول فيمَ قُتِل. كما قال ﷺ : ﴿وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لاَ يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ﴾.
كثرة
الزلازل، ألا ترون كل فترة يظهر زلزال في مكان ما.
تقارب
الزمان، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ﴿ لا تقومُ السَّاعةُ
حتَّى يتقارَبَ الزَّمانُ ، فتَكونُ السَّنةُ كالشَّهرِ، والشَّهرُ كالجُمُعةِ ،
وتَكونُ الجمعةُ كاليَومِ، ويَكونُ اليومُ كالسَّاعةِ ، وتَكونُ السَّاعةُ
كالضَّرمةِ بالنَّارِ﴾. ألا ترون أن البركة نزعت من الوقت، كما أنَّ النَّاسَ لِكَثرةِ انشِغالِهم
بالفِتَنِ، لا يَدْرون بالوقتِ ولا كيف تَنقَضي أيَّامُهم ولَياليهم،
"فتَكونُ السَّنةُ كالشَّهرِ"، أي: تَمُرُّ السَّنةُ كمُرورِ شهرٍ لا
برَكةَ فيها، "والشَّهرُ كالجُمعةِ"، أي: ويَمُرُّ الشَّهرُ كأنَّه
أسبوعٌ لا بركةَ فيه، "وتكونُ الجمعةُ كاليومِ"، أي: ويمُرُّ الأسبوعُ
كمُرورِ النَّهارِ في اليومِ لا برَكةَ فيه، "ويَكونُ اليومُ
كالسَّاعةِ"، أي: ويَمُرُّ اليومُ كأنَّه ساعةٌ مرَّت لا برَكةَ فيه،
"وتَكونُ السَّاعةُ كالضَّرْمةِ بالنَّارِ"، أي: وتمُرُّ السَّاعةُ
كأنَّها نَبتةٌ احتَرقَت بسُرعةٍ فلم تَأخُذْ وَقتًا ولا زمَنًا.
كثرة المال والاستغناء عن الصدقة، إذ
يقول النبي ﷺ: ﴿لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَكْثُرَ
فِيكُمُ المَالُ، فَيَفِيضَ حتَّى يُهِمَّ رَبَّ المَالِ مَن يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ،
وحتَّى يَعْرِضَهُ، فَيَقُولَ الذي يَعْرِضُهُ عليه : لا أَرَبَ لِي﴾. فبيّن
الحديث أن الله عز وجل سيعطي الأمة الكثير من الكنوز حتى لا تجد رجلاً محتاجاً
يقبلها، وقد حدث ذلك في زمن الصحابة رضوان الله عز وجل عليهم؛ إذ كَثُرت الفتوحات
الإسلامية وفاضت الكنوز عليهم من اقتسام أموال الفرس والروم، وحدث ذلك أيضاً في
زمن عمر بن عبد العزيز رحمه الله حتى أصبح الرجل يَعْرِض الصدقة فلا يجد من يقبلها
منه، وهذا والله أعلم سيتكرّر وقوعه في زمن المهدي وعيسى عليه السلام.
التطاول في البنيان، وهذه الأمارة ظهرت
في أغلب الدول الإسلامية بل أصبح التنافس في بناء ناطحات السحاب وأصبح الناس
بالمباهاة في بناء البيوت والمباني، حتى أنّ الشخص ليريد أن يبني ما هو أكبر وأعلى
ممّا بنى غيره، وقد ذكر ذلك النبيّ ﷺ بقوله: ﴿وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ﴾.
ولادَة الأمّة ربتها، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ﴿وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتِ
الأَمَةُ رَبَّهَا﴾. وفي حديث آخر : ﴿إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا﴾. لقد اختلف العلماء في معنى هذه العلامة
فهناك من قال أنه إذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربِّها
أي مالكها لأنه ولد سيّدها، وملك الأب راجع في التقدير إلى الولد، وهناك من قال أن يبيع
السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا
يشعر بذلك وهناك من قال أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل
الولد أمه معاملة السيد من الإهانة بالسب والضرب والقمع، ودائما نقول العلم عند
الله.
اختلال المقاييس، فقد أخبرنا رسول الله ﷺ أن المقاييس التي يُقَوَّم بها الرجال تختل قبل قيام الساعة، فيصدق الناس الكذاب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض، ويخون الأمناء ويتهمون، ويتكلم التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس، فلا يقدمون إلا الآراء الساذجة، ولا يَهْدون إلا للأمور تافهة، حيث قال ﷺ: ﴿سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ﴾. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ ؟ قال :﴿الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ﴾.